الجمعة، 25 مارس 2016

المجال والمهام الجيومورفولوجية

بالرغم من أن مصطلح الجيومورفولوجيا Geomorphology الذي صيغ في العقد السابع من القرن التاسع عشر يشير إلى الدراسة الوصفية لأشكال سطح الأرض، إلا أن المصطلح تطور عبر التاريخ ليدلل على العلم الذي يبحث في دراسة الأشكال الأرضية Landforms والعمليات العمليات التي شكلتها. اشتق مصطلح الجيومورفولوجيا (gewmorfhlogoV) من كلمات يونانية ثلاث GEW (الأرض)، morfh (الشكل)، أسباب  (طريقة التفكير)، أي أن المقصود من الكلمة هو تحفيز التفكير العلمي (logos) حول أشكال (Morphos) سـطح كوكب الأرض (Gaia) بغرض المعرفة العلمية لسمات أشكال الأرض السطحية (الإطار1-1).
تضم الأشكال الأرضية كل من الأنهار والتلال والسهول والشواطئ والكثبان الرملية وغيرها من الأشكال السطحية المتعددة. وبمرور الزمن، لم يعد مجال الدراسات الجيومورفولوجية مقتصراً على سطح الأرض فقط، بل اتسع في الوقت الحالي وامتد مجاله البحثي نحو دراسة الأشكال الأرضية بقيعان البحار والمحيطات، وبتطور علم الفضاء وإمكانية تصوير ورصد ومراقبة مكونات الفضاء الخارجي، أُضيفت للجيومورفولوجيا مجالاً جديداً متمثلاً بدراسة أسطح الكواكب والأجرام الفضائية كالمريخ والقمر والزهرة.
يتفاوت المدى المجالي لدراسة الأشكال الأرضية ما بين أشكال سطحية بسيطة ومحدودة الامتداد، إلى أشكال واسعة وأكثر تعقيداً كالسلاسل الجبلية، وهي أشكال أرضية متفاوتة الأعمار، حيث تتراوح فترات تشكلها (أعمارها) ما بين أيام إلى ملايين السنين.

الإطار (1-1)                                 تعريفات مختلفة لعلم الجيومورفولوجيا
*   "الجيومورفولوجيا كرست إلى تفسير تضاريس سطح الأرض وإلى فهم العمليات التي تحدث وتعدل الأشكال الأرضية' (Bridges 1990, p. vii)
*   ' الجيومورفولوجيا هي دراسة الأشكال الأرضية، وبشكل خاص طبيعتهم، أصلهم، تطور العمليات وتركيبهم المادي' (Cooke and Doornkamp 1990, p. 1)
*   ' الجيومورفولوجيا هي دراسة سطح الأرض بشكل كلاسيكي، الأشكال الأرضية التي يدرسها الجيومورفولوجيون، وهي الأشكال التي صنفت أ و سُـمِّيَتْ من قِبَل الجيومورفولوجيين، أو علماء الأرض الآخرين ' (Mayer 1990, p. 1)
*  ' الجيومورفولوجيا 000 هي  الدراسة العملية للمميزات الهندسية لسطح الأرض.  بالرغم من أن التعبير يـحدد عموما الأشكال الأرضية التي تطورت فوق مستوى البحر، الجيومورفولوجيا تتضمن كل السمات التي تربط ما بين الأرض الصلبة والماء والجو.  لـذا ليس فقط الأشكال الأرضية من القارات وهوامشها،  ولكن تضم ـ أيضا ـ أشكال قاع البحر.  انتهاءً بتزويدنا من خـلال المركبات الفضائية بمعلومات عن القمـر والمريـخ والكواكب الأخرى (فـإنها) تخلق سِـمه من الفضاء الخارجي إلى الجيومورفولوجيا' (Chorley et al. 1984, p. 1).
*  ' الجيومورفولوجيا، أفضــل  وأبســط تعـريف لها  هي دراسة أشكال الأرض. مثل أكثر التعاريف بساطة، تجد أن المعنى الفعلي مبهم ومفتوح جدا إلى التفسير' (Ritter et al. 1995, p.3).
*  ' الجيومورفولوجيا تعني دراسة أصل وتطور الخصائص (السمات) الطبوغرافية للعمليات الفيزيائية والكيميائية التي تعمل عـلى أو قـرب سطح الأرض000 تعتمد دراسة العمليات السطحية والأشكال الأرضية بشدة على المبادئ الجيولوجية. بالرغم من ذلك، مثلها مثل العلوم الأخرى، تعتمد الجيومورفولوجيا على تطبيق المبادئ الأساسية للفيزياء  والكيمياء وعلم الأحياء  والرياضيات على الأنظمة الطبيعية'  (Easterbrook 1993, p. 2)
*  '  التراكيب والمواد والعمليات وتاريخ الأشكال الأرضية المتغيرة، هي المكونات الأربعة الضرورية لدراسة  طبيعة وأصل سطح الأرض الحديث 00 ' (Selby 1985, p. 1)
* 000 ' الوصف المنظم، التحليل، وفهم المناظر الطبيعية، والعمليات التي تغيرهم000 الوصف، والتحليل، وفهم الأشكال الأرضية 000 ' (Bloom 1991, p. 1)                  
*    'الجيومورفولوجيا، هو العلم المهتم بأشكال الأرض السطحية، والعمليات التي تؤدي إلى تشكيلها، وهي تمتد لتضم بعض المعالم تحت سطح الماء، وبوصول الاستكشاف الكوكبي يجب أن تدمج المناظر الطبيعية مع الأجسام الرئيسية الصلبة للنظام الشمسي0 هنالك بؤرة واحدة للبحث الجيومورفولوجي، هي العلاقة بين أشكال الأرض والعمليات التي تتصرف وفقها حاليا'  (Summerfield 1991, p. 3)
* ' 000 الجيومورفولوجيا تعرّف بشكل واسع، كدراسة الماضي والحاضر والمستقبل للأشـكال الأرضية, وتجمعات أشكال الأرض (طبيعة اللانـدسكيب)، والعمليات السطحية على الأرض والكواكب الأخرى ' (Rhoads and Thorn 1993, p. 288)

من خلال البحث في الأشكال والعمليات الجيومورفولوجية، يمكن اعتبار الجيومورفولوجيا علم تاريخي وعلم تنبؤي أيضاً، فمن خلال دراستنا للأشكال الأرضية، يمكن أن نستنبط طبيعة العمليات التي سادت سابقاً وأدت إلى تكونها، ومن جهة أخرى، يمكن القول أيضاً إن المعرفة الجيومورفولوجية معرفة توقعية، فمن خلال العمليات الآنية، يمكننا التنبؤ بطبيعة الأشكال الأرضية المفترض تشكّلها لاحقاً.
بما أن الجيومورفولوجيا تبحث في الأشكال الأرضية والعمليات التي أنتجتها، فان كل من الشكل والعملية والعلاقات المتبادلة بينهما تعتبر قضايا مركزية لفهم أصل وتطور الأشكال الأرضية. ينظر إلى الشكل landform في الجيومورفولوجيا من جوانب رئيسية ثلاث: المتغيرات المادية (الخواص الكيميائية- الخواص الفيزيائية)، المتغيرات الهندسية (الحجم- الشكل- الأبعاد الهندسية) ومتغيرات تدفق الكتلة (معدل التدفق، حجم التدفق، سرعة التدفق،...). بينما تدل العمليةprocess  على حركة المادة ذات الخصائص المادية المتنوعة على سطح الأرض، التي تخضع إلى التعديل، وتتحرك بفعل القوى المنبثقة من باطن الأرض (عمليات باطنية المنشأ Endogenic) وهي من المواضيع التي تهتم بها الجيولوجيا (الإطار 1-2)، أو تلك القوى التي تنشأ بسطح الأرض، أو الغلاف الجوي (عمليات خارجية المنشأ Exogenic)، أو القوى التي تنشأ من خارج كوكب الأرض، كارتطام النيازك. تتضمن دراسة العملية كل من عمليات التحوّل المرتبطة بالتجوية، النقل، الجاذبية، المياه، الرياح والجليد.

الإطار (1-2):                                    الحد الفاصل بين الجيولوجيا والجيومورفولوجيا
يعتبر تعريف المجال البحثي للجيومورفولوجيا أكثر تحديداً عند مقارنته بالمجال الجيولوجي، ومع ذلك يمكننا وضع معايير للحد الفاصل بينهما. تهتم الجيومورفولوجيا بدراسة الوحدات الأرضية المرتبط تشكّلها بعمليات بيئية، ولاستمرارية العمليات المشكلة، يمكن ملاحظتها أنياً. بينما نجد الجيولوجيا geology تهتم بالدراسة والبحث في تلك الوحدات المرتبطة باللاندسكيب الأرضي، الذي خضع لتغيير جذري radical change. بالرغم من القول أن الجيومورفولوجيا تهتم بدراسة ظاهرات مرتبطة بالعصر الرباعي، لذلك ومن وجهة نظر مفاهيمية، لا يمكن من خلال اطار زمني، تحديد الحدود الفاصلة بين الحقلين. ولتوضيح ذلك، سوف نناقش المثال التالي: يعلو ركام جليدي القمة الجبلية، بينما الترسيب البحري يعلو منطقة جبلية أخرى، وكلاهما تشكلا خلال فترة زمنية متقاربة. بمناقشتنا للمثالين، برغم وجه الشبه بينهما، نجد أن الجيومورفولوجيا مهتمة بالتحقيق في المثال الأول، كون الشروط البيئية (التجمد)، والعمليات الخارجية (جريان النهر الجليدي) شكلا الركام الجليدي. بينما يهتم المجال الجيولوجي بالمثال الثاني، كون الترسيب البحري ناجم عن عمليات رفع تكونية، أو أدت لتغير مستوى سطح البحر.
تأكيد البعض بأن الجيومورفولوجيا تركز على الأشكال الرباعية، نابع من ندرة الأشكال الجيومورفولوجية التي تشكلت خلال فترات أقدم من الرباعي، لكون نشاط العمليات البيئية الخارجية أو النشاط الباطني للأرض أدى إلى تدمير أو إزالة معظم الأشكال الجيومورفولوجية الأقدم.
لا يقتصر الحد الفاصل بين الجيولوجيا والجيومورفولوجيا على آلية تشكل الظاهرة، أو إطارها الزمني فقط، بل تمتد حدود الفصل بينهما إلى تباين أسلوب التحقيق العلمي. دائما ما يسعى الجيومورفولوجي إلى البحث عن الصلات المنطقية، التفسير والبحث في العلاقة بين السبب والنتيجة للظاهرة الجيومورفولوجية ومحيطها، بينما يعتمد الجيولوجي في بحثه على الظاهرة المجردة فقط، وان كان ذلك ضمن سياق التكوينات المحيطة بها، من أجل الحصول على اطار واضح لشروط نشأة الظاهرة ضمن بيئتها الجغرافية القديمة paleogeography، وباعتماده على كل من علم الطبقات stratigraphy، علم الرسوبيات sedimentology، علم الحفريات paleontology وعلم الصخور petrography.

يعتبر التفاعل المتبادل بين الشكل والعملية جوهر البحث الجيومورفولوجي، حيث يؤثر الشكل في العملية، كما تؤثر العملية على الشكل. ضمن اطار أوسع، تؤدي العمليات الجوية، العمليات الأيكولوجية ونشاط العمليات الجيولوجية على التفاعل الجيومورفولوجي المتبادل بين الشكل والعملية.
تكمن طبيعة الاتصال المتبادل بين العمليات والأشكال السطحية في قلب الخطاب الجيومورفولوجي. تغيرت اللغة التي أعرب فيها الجيومورفولوجيين عن طبيعة الاتصال مع تغيّر السياقات الثقافية والاجتماعية والعلمية، وبعبارة عامة، بدأ الأسلوب الوصفي مع المفكرين الكلاسيكيين، أعقبها في منتصف القرن العشرين الأسلوب الكمي. تناول الكتّاب الأوائل أصل الملامح الأرضية، ومنها شرح اصل الجبال والسهول والتلال كأعمال نيكولاس ستينو Nicolaus Steno (1638- 1686م)، تبع ذلك مساهمات الجيومورفولوجيون الأوائل أمثال وليم مورس ديفيز William Morris Davis وجروف كارل جبرت Grove Karl Gilbert لتوضيح تطور الأشكال الأرضية من خلال العمليات الجيومورفولوجية.
حالياً، لدينا مالا يقل عن أربع أساليب بحثية مستخدمة في الجيومورفولوجيا، لدراسة الأشكال والعمليات الجيومورفولوجية:
1-  العملية- الاستجابة  عملية الاستجابة(العملية- الشكل) أو ما يسمى النهج الوظيفي functional approach المستمد من الكيمياء والفيزياء ومستخدم لمنهجية النظم.
2-  النهج التطوري للأشكال الأرضية  نهج تطور التضاريس المستمد جذوره من التاريخ الجيولوجي (geohistory) الذي يستكشف البعد التاريخي المهم للأشكال الأرضية.
3-  المنظور الوصفي للأشكال الأرضية characterizing landforms approach من خلال خصائصها، ونظم الأشكال الأرضية، والمستند على التباين الجغرافي.
4-  النهج البيئي environmentally approach المستند على نظم الأشكال الأرضية ضمن مقاييس متعددة تنطلق من المحلية، الإقليمية وانتهاء بالمقياس العالمي. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق